-الاستجابة إلى مطالب الشعب والتخلص من «النظام المستبد»
2-مواجهة «الزعيم الشمولى» وتأخذ شكل الانتفاضة الشعبية
3-مواجهة الديكتاتور إذا رفض التخلى
4-اكتساب الجيش لاحترام الأمة
5-الاستجابة لدعوة الناس بالتغيير
6-إجراء انتخابات نزيهة وحرة
7-نقل السلطة إلى الحكومة المنتخبة
تذهب معظم الدراسات إلى أن كل الانقلابات العسكرية تدخل ضمن نموذج واحد وهو أنها «معادية للديمقراطية». ووفقا للرأى السائد، فإن أى انقلاب عسكرى هو بحكم التعريف «غير ديمقراطى». ويعكس القانون الاتحادى فى الولايات المتحدة نفس الازدراء للانقلابات العسكرية ويمنع أى مساعدة مالية لحكومة أى بلد يحدث فيه الانقلاب على رئيس حكومة منتخبة، والأمر لا يختلف بالنسبة للاتحاد الأوروبى الذى أصدر قانونا مشابها عام 1991.
ويقر الباحث، فى نظريته التى نُشرت فى مجلة «هارفارد» للقانون الدولى مجلد رقم 53 سنة 2012، أن كل الانقلابات تحتوى بالفعل على خصائص مناهضة للديمقراطية؛ لأنها استيلاء على السلطة بالقوة وليس بالانتخاب، لكنه يرى أن بعض الانقلابات العسكرية أكثر ترويجا وتمهيدا للديمقراطية من غيرها، ويستجيب الجيش فيها إلى معارضة شعبية ضد نظام مستبد أو شمولى، ثم ينقل السلطة لحكومات منتخبة عبر انتخابات حرة ونزيهة بعد فترة انتقالية قصيرة.
ويشير الكاتب، قبل أن يشرع فى شرح نظريته، إلى أنه رغم أن هذا النوع من الانقلابات هو الاستثناء وليس القاعدة، فإنها ليست نادرة، ووفقا لدراسة حديثة بزعامة عدنان مندريس، فإن 74% من الانقلابات العسكرية التى حدثت فى مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة أدت إلى انتخابات حرة خلال 5 سنوات. ولاحظ معدو هذه الدراسة أن «الجيل الجديد من الانقلابات (أى ما بعد الحرب الباردة) أقل خطرا على الديمقراطية من الجيل الذى سبقها تاريخيا».
وتضع نظرية «فارول» 7 شروط أساسية حتى يمكن أن يطلق على انقلاب ما «ديمقراطيا»، هى:
أولا: يسعى الانقلاب الديمقراطى للإطاحة بنظام شمولى أو استبدادى قضى (أو قضى تقريبا) على كل أشكال المشاركة والتعددية السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى كانت موجودة قبل مجيئه للسلطة، وسعى لاحتكار كل القوى والصلاحيات بشكل يعزز من انفراده بالسلطة بشكل مطلق، عبر الوسائل القانونية أو غير القانونية، لقمع المعارضة السياسية، ولا يكون الانقلاب ديمقراطيا إلا عندما تصبح الانتخابات آلية غير مجدية لعزل الزعيم المستبد أو لأن هذا الزعيم غير مستعد للتخلى عن السلطة.
ثانيا: فى الانقلاب الديمقراطى، يستجيب الجيش إلى معارضة شعبية مستمرة ضد زعيم شمولى أو مستبد. وتأخذ هذه المعارضة عادة شكل انتفاضة شعبية، وكلمة انتفاضة شعبية تعنى تجمعا ضخما من المواطنين يمثل شرائح مختلفة للمجتمع يجمعهم هدف سياسى مشترك، وهى فى هذه الحالة الإطاحة بالنظام، وعادة ما تحتشد المعارضة فى مكان له قيمة رمزية مثل ميدان التحرير فى القاهرة أو ساحة تيانانمن فى بكين للمطالبة برحيل النظام، أملا فى التحول للديمقراطية، وتظل الحشود الغاضبة تزداد عددا وإصرارا على مطالبها كل يوم، ما يؤكد الدعم الشعبى الواسع لتغيير النظام، ويكون هؤلاء المواطنون متحدين فى رغبتهم المشتركة لتحقيق الديمقراطية التى حرموا من تحقيقها عن طريق صناديق الاقتراع.
ويلاحظ الباحث أن هذه الحشود على الرغم من اتفاقها على هدف واحد (الإصلاح الديمقراطى) عادة ما تفتقد برنامجا أو خريطة واضحة ومتماسكة لتحقيق الإصلاح الديمقراطى، ونادرا ما يرون أبعد من الإطاحة بالديكتاتور، وخلال هذه الاحتجاجات قد يدعو بعض المتظاهرين القوات المسلحة صراحة للتدخل، كما حدث فى ميدان التحرير أثناء انتفاضة 25 يناير التى رفع خلالها المتظاهرون شعار «الشعب والجيش إيد واحدة»، وهلل المحتجون حين دخلت أول دبابة الميدان. لا يختلف الأمر عما حدث فى انقلاب البرتغال عام 1974؛ إذ رفعت الحشود لافتة كُتب عليها «شكرا للقوات المسلحة» فى استاد لكرة القدم احتشد فيه نحو 200 ألف متظاهر عقب الانقلاب. ويشير الباحث إلى أن الدعم الشعبى للانقلابات فى دول مثل مصر والبرتغال يجب أن يدعو الأكاديميين لإعادة النظر فى المفهوم السائد عن الانقلابات العسكرية التى توصف بأنها «لا يمكن أن تتمتع بتأييد شعبى»، والتى قال عنها البروفيسور ريتشارد ألبرت مؤلف كتاب «الثورات الديمقراطية»: الانقلاب ثورة لكن دون دعم شعبى، «واستحواذ على السلطة بوسائل غير مشروعة».
ثالثا: يظل الديكتاتور -فى مواجهة المعارضة الشعبية المستمرة- رافضا للتخلى عن السلطة ومتحديا لإرادة الجماهير.
رابعا: لا بد أن يكون الانقلاب من جانب جيش يحظى باحترام كبير داخل الأمة، وغالبا ما يكون سبب ذلك هو نظام التجنيد الإلزامى، أى تتألف القوات المسلحة من عامة الشعب: أبنائهم وجيرانهم وأقاربهم وأصدقائهم، وليس من الجنود المحترفين، وبعد عقود من التجنيد الإلزامى، يصبح الجيش هو المجتمع بالمعنى الحقيقى للكلمة، وفى دول فاسدة تحكمها نظم قمعية، تكتسب الجيوش المكونة من مواطنين مجندين سمعة طيبة باعتبارها «المؤسسة الوحيدة المستقرة وغير الفاسدة». وعلى سبيل المثال، كشف استطلاع أجرته صحيفة «حريات» اليومية التركية فى سبتمبر 2005 عن أن الجيش هو المؤسسة الأكثر ثقة فى تركيا، على الرغم من تاريخها الطويل فى التدخل فى الشئون السياسية، والخدمة العسكرية الإلزامية سبب رئيسى فى هذه المكانة، وأن الأتراك الذين يحتفلون حتى اليوم بتجنيد أبنائهم بالموسيقى والكرنفالات ما زالوا ينظرون لأنفسهم كـ«دولة جيش»، ويشعرون بالتقدير للمؤسسة العسكرية التى أسست دولتهم الحديثة المعروفة بشكلها الحالى فى منتصف العشرينات من القرن الماضى، ولأسباب مماثلة، ساور كثير من مؤسسى الولايات المتحدة شكوك عميقة حول نظام الجنود المحترفين، لقناعتهم أنهم يكونون أكثر ولاء لقادتهم من الشعب والدولة، وذلك على عكس الجيوش التى تتألف من مواطنين مجندين تتفق مصالحهم فى النهاية مع مصالح باقى الشعب، وليس مع حاكم يريد استخدامهم كأدوات لتنفيذ طموحاتهم، وبالتالى يكون الجيش القائم على التجنيد الإلزامى أكثر استجابة لمطالب الشعب، وأكثر احتمالا للقيام بانقلاب ديمقراطى.
خامسا: فى الانقلاب الديمقراطى يستجيب الجيش لدعوة الناس له لتغيير النظام بالإطاحة بالنظام الاستبدادى الشمولى.
%74
من الانقلابات التى حدثت بعد نهاية الحرب الباردة أدت إلى انتخابات حرة خلال 5 سنوات
سادسا: يجرى الجيش انتخابات نزيهة وحرة لنقل السلطة لحكومة مدنية منتخبة فى غضون فترة قصيرة، والإعلان عن موعد محدد للانتخابات يمنح بعض الشرعية للحكومة العسكرية المؤقتة؛ لأنه إقرار بالطبيعة المؤقتة للمهمة التى يقومون بها، وبالتالى فإن من أهم أولويات الجيش بعد قيامه بانقلاب ديمقراطى: تحديد موعد سريع للانتخابات والقيام بدور حكومة تسيير أعمال محايدة نسبيا حتى إجراء هذه الانتخابات. وخلال هذه الفترة الانتقالية، يركز الجيش على بعض الإجراءات اللازمة لإجراء انتخابات نزيهة مثل سن القوانين واللوائح الانتخابية وغيرها، وعلى سبيل المثال، أصدر الجيش البرتغالى بيانا، بعد يوم واحد من انقلابه عام 1974، التزم فيه بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ديمقراطية فى غضون عامين. ولا يستخدم الجيش نفوذه للتلاعب بنتائج الانتخابات، ويسمح بتنظيم الأحزاب السياسية والمشاركة فى الانتخابات بحرية، باستثناء الحزب السياسى التابع للنظام الاستبدادى المُطاح به.
وفى كثير من الحالات، يُحل هذا الحزب بعد الانقلاب، وبالتالى لا يشارك فى الانتخابات الديمقراطية، على الأقل ليس تحت نفس الاسم، وهذا ما حدث فى أعقاب انقلاب عام 2011 فى مصر، إذ سمح الجيش بتأسيس الأحزاب السياسية والمشاركة فى الانتخابات البرلمانية بحرية، لكن المحكمة الإدارية العليا أصدرت حكما بحظر الحزب الوطنى. ويمكن أن يشرف الجيش على انتخابات لاختيار جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد قبل الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، كما فعل الجيش البرتغالى عقب الانقلاب فى عام 1974، أو يختار بنفسه أعضاء الجمعية التأسيسية، كما فعل الجيش التركى فى أعقاب انقلاب عام 1960. ولكن فى الحالتين لا يعمل على البقاء فى السلطة أطول مما تقتضى الضرورة للانتقال إلى الديمقراطية فى البلاد وبالتالى يصبح النظام الذى ينبثق عن انقلاب ديمقراطى متوافقاً بالتالى مع التعريف الجوهرى للديمقراطية الذى صاغه المفكر الأمريكى الشهير صموئيل هنتنجتون وهو: «نظام يتم من خلاله اختيار القيادات السياسية بانتخابات حرة ونزيهة»، ووفقا لـ«هنتنجتون»: لا تتم هذه العملية إلا بشرطى المنافسة والمشاركة، والمشاركة تعنى أن المرشحين يتنافسون على المقاعد بحرية، وتتطلب المشاركة أن يُسمح لجميع من يحق لهم المشاركة بالمشاركة.
سابعا: بعد الانتخابات الحرة النزيهة، ينقل الجيش على الفور السلطة للحكومة المنتخبة بغض النظر عن هويتهم، وعما إذا كانت توجهاتهم تروق للجيش أم لا، دون إبطاء أو تغيير حتى لا تفقد الانتخابات معناها. ويرى الباحث أنه فى بعض الانقلابات الديمقراطية، يجوز للعسكريين تقديم مرشح للمنافسة فى انتخابات ديمقراطية، كما حدث بعد الانقلاب الديمقراطى فى البرتغال عام 1974، عندما رشح الجنرال «أنطونيو إيانس» نفسه بدعم من المؤسسة العسكرية وفاز بالرئاسة، ما يعنى أن مشاركة ضابط فى الانتخابات لا تجعل الانقلاب غير ديمقراطى طالما لم تزور الانتخابات لصالح ذلك المرشح، وأنه وبعيدا عن الانقلابات تتطلب أحيانا ظروف البلد ترشح قائد عسكرى يحظى باحترام كبير، مثل جورج واشنطن فى الولايات المتحدة، الذى انتخب رئيسا بسبب مزاياه الشخصية فى المقام الأول بإجماع من الناخبين عام 1788. ويوضح الباحث أن كل هذا يتناقض مع ما هو سائد فى الأدبيات السياسية عن مفهوم الانقلاب، الذى يكون الغرض منه اغتصاب المناصب السياسية فقط لا غير، وأن هذا الافتراض لا يمكن أن ينطبق على الانقلابات الديمقراطية التى تتدخل فيها الجيوش لإحداث تغييرات أساسية فى النظام لإسقاط حاكم مستبد تمهيدا لتحقيق الديمقراطية، وأنه وبطبيعة الحال، فإن الانتقال إلى الديمقراطية لا يحدث فور وقوع الانقلاب. فى البداية، يكون التغيير الوحيد هو فى قيادة النظام (أى تغيير أشخاص)؛ إذ لا بد أولا من إزاحة الديكتاتور ثم الشروع فى الانتقال إلى الديمقراطية فى البلاد، أى أن تغيير الأشخاص هو الوسيلة التى يحقق بها الجيش هدفه النهائى فى تنظيم انتخابات نزيهة وحرة. وعلى سبيل المثال، فى أعقاب الانقلاب الديمقراطى فى تركيا فى عام 1960، حكم الجنرال «جمال جورسيل» بلاده لمدة 17 شهرا قبل أن ينقل السلطة لحكومة مدنية منتخبة. ويتابع الباحث: «أثبتت الأحداث فى مصر أن الانقلابات الديمقراطية لا تتسم بالانتقال السلس إلى الديمقراطية؛ فالانقلابات الديمقراطية مثل الثورات الأخرى التى تفتت هياكل حكم مستبد استمر لعقود لاستبدالها بنظام الجديد. هذا التغيير يؤدى لاضطرابات واسعة جدا؛ إذ يواجه القادة العسكريون مهام وتحديات غير مألوفة لهم فى إدارة البلاد، وهذا ما حدث فى مصر التى كان أداء المجلس العسكرى فيها متواضعا، ما أدى لمقتل الكثير من المتظاهرين فى عدة مناسبات، وكما قال الفيلسوف الفرنسى «ميرابو»، فإنه «عند قيام ثورة، التحدى لا يكون فى استمرارها ولكن فى كبح جماحها» وينطبق الشىء نفسه على الانقلاب الديمقراطى، ويجب أن يحاكم الجيش، من قبل القضاء المدنى، على أى انتهاكات للقانون الجنائى أثناء عملية الانتقال. لكن ما يحدث فى الواقع أن الجيوش عادة ما تسعى لتحصين أفرادها كشرط لتسليم السلطة للقادة المدنيين كما سبق أن حدث فى الأرجنتين وأوروجواى.
ووفقا للدراسة، فإن قادة الجيش لا يسلمون السلطة للحكومة المنتخبة إلا بعد أن يطمئنوا إلى أن تصوراتهم وأولوياتهم وأحيانا المصالح الذاتية للمؤسسة العسكرية قد تم النص عليها فى الدساتير الجديدة. ويتم ذلك بـ3 طرق: الإجرائية والفنية والمؤسسية. فى الطريقة الإجرائية، يُصمم الجيش المرحلة الانتقالية؛ بحيث تنتج وضعا دستوريا موافقا لتوجهات الجيش ومصالحه، وفى الطريقة الموضوعية، يحتفظ الجيش بصلاحيات كبيرة ينص عليها فى الدستور الجديد، وفى الطريقة المؤسسية، يُنشئ الجيش مؤسسات فى ظل الدستور الجديد تضمن له فرض توجهاته حتى بعد تسليمه السلطة لحكومة منتخبة ديمقراطيا، ما يعنى أنه فى ظل الانقلابات الديمقراطية، يعقد الجيش مع الشعب صفقة ضمنية تحتفظ فيها المؤسسة العسكرية بصلاحيات كبيرة ينص عليها الدستور فى مقابل عزل الديكتاتورية ونقل السلطة إلى الشعب.
الأخبار المتعلقة:
«الانقلاب العسكرى الديمقراطى»
الفارق بين «الديمقراطى» و«غير الديمقراطى».. عدم تحول الجنرالات إلى «طغاة»
انقلاب البرتغال 1974
انقلاب تركيا 1960
انقلاب مصر 2011