فى قلب ميدان التحرير، كانت تهرول بمعطفها الأبيض داخل المستشفى الميدانى بين المصابين المختنقين من غاز الأمن، والمتألمين من وخز طلقات الخرطوش، تشرف على تضميد جرح أحدهم، وتفرك صدر آخر كى يتنفس. تنتقل ذات الشعر الأبيض الثلجى من نضال الثورة إلى النضال النقابى فى يوم مطير، حين انتُخبت أميناً عاماً لنقابة الأطباء نهاية ديسمبر الماضى.
اكتسبت منى مينا، أمين عام نقابة الأطباء العامة، دعم مَن حولها بسبب تبنيها للاحتجاجات السابقة للأطباء المطالبين برفع أجورهم، وتحسين أوضاعهم، ورفع ميزانية الصحة بما يكفل لهم إمكانات أفضل لأداء أكثر جودة. انتُخبت «مينا» كأول امرأة ومسيحية لمنصب الأمين العام للنقابة، خطوة فى مسيرة طبيبة طالما احتجت من أجل مزيد من الاستقلال الوطنى، والعدالة الاجتماعية، منذ أن كانت شابّة فى صفوف الحركة الطلابية فى سبعينات القرن الماضى.
مساعى منى مينا من أجل أوضاع أفضل لأطباء مصر البالغ عددهم 108٫7 ألف طبيب، وزيادة الإنفاق على الصحة بمصر الذى لا يتجاوز 1.6% من إجمالى الناتج المحلى، وتحسين المستشفيات بما يضمن مكافحة العدوى التى تصيب الأطباء ومقدمى الخدمة العلاجية بمصر. تلك المساعى ظن كثيرون أنها صارت قاب قوسين أو أدنى، خاصة أن الطبيبة «المناضلة» صارت فى موقع رسمى كفيل بإسماع صوتها لدى الجهات التنفيذية بالدولة، لكن خالف الواقع التوقع.
يرتفع سقف طموحات الأطباء من أمين عام نقابتهم التى أعلنت فى بيان مؤخراً: «لا أحمل عصا سحرية، فللأسف لن أستطيع أن أكون فى موقع قيادى فى حرب مطلوب منى ليس فقط أن أكون فى مقدمة الصفوف فيها.. ولكن مطلوب منى أن أكسبها وحدى أو مع عدد قليل من الزملاء الفدائيين الذين يتلقون الطعنات ممن يواجهونهم، وأيضاً ممن يقفون خلفهم أو مفترض أنهم يقفون خلفهم».
مؤخراً، ارتفع عدد ضحايا العدوى التنفسية بين صفوف الأطباء فى مستشفيات الدولة، لتربك حسابات النقابية التى لا تستطيع بمفردها أن تحدد أولويات المطالبات أكانت أجوراً عادلة للأطباء أم وقاية لهم من الأمراض القاتلة.
أعلنت منى مينا أنها ستتوجه باستقالة رسمية من منصبها فى النقابة، هكذا تعترف المناضلة ذات الستة والخمسين ربيعاً بعدم تمكنها من الانتصار بمفردها، وفق بيانها، فى معركة المطالبة بحقوق الأطباء، لتنضم بذلك إلى قائمة المعروفين بتاريخهم النضالى والذين آثروا الاستقالة أو رفض المناصب خوفاً من فشلهم فى القيام بالدور المطلوب منهم.