اكثر من ثلاث اسابيع مضت على محاولة الانقلاب الفاشل في جنوب السودان التي قادها رياك مشار نائب الرئيس السابق، احالت الأوضاع في الدولة الوليدة التي قاربت الثلاث سنوات من انفصالها عن السودان في يوليو 2011م الي نذر حرب اهلية لا تبقى ولا تزر.
الأوضاع تصاعدت بصورة دراماتيكية في الصراع الدائر في الجنوب، بقيادة الذين تم اقصائهم من حكومة الجنوب ابرزهم النائب مشار و من العسكريين والأمنيين في طليعتهم الجنرال فيتر قديت.
الدوافع من وراء الزعزعة الامنية في الجنوب تعود إلى الململة التي طالت من تواروا من المشهد السياسي الجنوبي، مع قوة الدفع القلبية من قبل قبيلة النوير التي ينتمى اليها مشار بعد أن رأى المناوئون استئثار الدنيكا بالحكم والسلطة وهي القبيلة التي ينتمى اليهم رئيس جنوب السودان سلفاكير ميار ديت.
حكومة الجنوب تحاول جاهدة ان تنفى مزاعم ان النزاع ليس قلبياً كما تتناقله وسائل الاعلام وتوصيفه بذلك ، وذهب سفير جنوب السودان بالخرطوم لأبعد من ذلك حين اكد في مؤتمر صحفي بالعاصمة الخرطوم ان من بين الانقلابين "دنيكا" وهم الان معتقلين في سجون الحكومة ، في خطوة من حكومة الجنوب باتجاه دحض مزاعم "قبلية" الصراع.
نشوب الصراع في سنين الدولة الوليدة الاولى يضعها امام تحد سياسي وآمني كبير ، في كيفية الخروج من مآزق الصراع والاحتكام للتفاوض بدل الانتقال بالصراع ميدانياً من مدينة الى اخر ومن معقل الي آخر، أو ربما الصراع يفتح باب التكهن على مصرعيه أن كيف تسطيع دولة ناشئة قررت مصيرها للتو ان تدير دولتها دون حروب ونزاع داخلي او حرب اهلية كما يحدث ذلك في الدوام في دول افريقية كما في رواند وافريقيا الوسطى وساحل العاج وغيرها من الدول التي حدثت وما زالت تحدث فيها نزاعات وحروب اهلية.
الجارة السودان، هي بالطبع ليست على اطمئنان لما يحدث في جنوب السودان، والقلق على مستوى الدولة الرسمي مرده لطبيعة علاقة الجوار وقبله علاقة الدولة الواحدة قبل الانفصال ، غير ان البعد الاستراتيجي في طبيعة العلاقة والحرص على استقرار الجنوب يجعل من السودان يحرص من أي وقت مضى على استقرار الجنوب.
حساسية الملف الجنوبي عند الساسة في الخرطوم ربما ينظر اليه من زوايا متعددة ومتداخلة منها الامني الذي يجعل من طبيعية العلاقة مع الحكومة الجنوبية هنالك مستوعبة لمخاوف الخرطوم من تواجد الحركات المسلحة المتمردة في الجنوب والحيلولة دون اتخاذ اراضي الجنوب كمنطلق لشن هجمات عسكرية غلى السودان وبالتالي هيبة دولة الجنوب وسيطرته على اراضيه صمام امن ضد أي تحرك لمتمردين سودانيين من الجنوب، هبوط الرئيس السوداني المشير البشير في جوبا والتقاءه سلفاكير لبحث الازمة والتشاور حول نشر قوات مشتركة لتأمين مواقع النفط (في دولة الجنوب) وذلك بناء على طلب من الجنوب، ربما يدل على ان الطرفان بدءا يشعران ان الخطر ليس للجنوب وحده الذي يكتوى بنيران الصراع وانما للسودان نصيب من الاكتواء بنيران صراع الجنوب خاصة في حالة ما اذا تعرض نفط الجنوب ل"مكروه امنى"...