قالها الراحل محمود مرسى إلى الراحل محمود فرج فى أحد الأفلام التى تتكلم عن صدر الإسلام، حيث فاحت الرائحة حتى أزكمت الأنوف، وأقولها اليوم لرموز ماضٍ بغيض بدأوا يظهرون فى كل مكان وكأن الساعة سوف تعود إلى الوراء، والغريب أن يركب الإخوان الثورة فيعود معهم للظهور كائنات قادمة من متاحف التاريخ ذوى وجوه منفرة كئيبة وسحنات شيطانية تعودت على العيش تحت الأرض ملأوا الفضائيات والمؤتمرات والاحتفالات -حتى الوطنية- بأجسادهم الضخمة وثقل ظلهم الطبيعى حتى سمّموا الهواء وأحسسنا حينها أن القاهرة هى «تورا بورا» وأننا سوف نستبدل الجمال بالسيارات عسى أن تعود الخلافة الإسلامية الزاهرة كما يقولون وهم جميعا -إلا المخدوعين من شبابهم- ينفذون أجندات أجنبية مدفوعة الأجر وخائنون حتى النخاع، فلما ثار الشعب وسانده الجيش فى الموجة الثانية لثورة ٢٥ يناير -هى ثورة رغم أنف المزايدين- فى ٣٠ يونيو، ومنّ الله علينا وأزحنا تلك الطغمة الفاسدة الكاذبة باسم الدين وتصوّرنا أنه آن الأوان لنبدأ عصراً جديداً من الشفافية والعمل، ظهر رموز الحزب الوطنى المنحل ونجوم عصر الفساد المتأصل الذى نخر فى جسد الوطن لمدة ٣٠ عاماً وتركه مريضاً يعانى سكرات الموت، ليملأوا الساحة من جديد.
وأقول لهؤلاء: ألا تستحون؟ لقد نهبتم المليارات لتصنعوا قصوركم وملاعب الجولف فى منتجعاتكم وكنتم تتنافسون فيما بينكم على إقامة الحفلات التى تستقدمون لها الشيفات من باريس وسويسرا -رغم أصولكم المتواضعة التى نعرفها جميعاً- غير عابئين بشعب يعيش نصفه تحت خط الفقر ويسكن أبناؤه فى المقابر وفى حجرات كل ٢٠ فى حجرة.. عيشة غير آدمية حوّلت البعض منهم إلى كافرين بكل القيم فانتشرت الرذائل وبلغت نسبة زنا المحارم -حسب تقارير موثوق بها- أعلى نسبة بين كل الدول مع دولة عربية أخرى لن أذكرها فليس مجالها هنا.. وانتشرت البطالة والمخدرات كأعلى نسبة مرت على مصر، وأصبح المصرى يروى خضراواتنا بماء المجارى، بل يشرب منها لعدم وجود ماء صحى فانتشرت أمراض الكبد الوبائى والفشل الكلوى والسرطانات بنسب غير مسبوقة وأصبح المصرى يموت، لأنه لا يملك ثمن الدواء ويموت غيره غرقاً، إما فى عبارات الموت التى تُسمى -تصوروا- «السلام»، وكأنهم يقصدون السلام الأبدى، وإما فى محاولات الشباب اليائسة للهروب من هذا الجحيم فيما يُسمى الهجرة غير الشرعية، وتحولت مصر العظيمة إلى دولة بلا قيمة داخلياً وخارجياً يُساق أبناؤها إلى الموت والاغتصاب -البدنى والمعنوى- فى الغربة بلا رادع ولا حماية، ببساطة تحولنا إلى دولة من الدرجة الرابعة بفضل الحكم الميمون للرئيس الأسبق ورجال عصره الذين لا يستحون، وبدأوا فى التبجح أولاً فى الظهور ثم الكلام عن فضائل عصرهم السعيد، مقارنين بينه وبين عصر «مرسى» الخائن، وكأنما قدر هذا الشعب أن يختار بين فاسد وخائن، ثم تحولت النغمة إلى الهجوم على شباب ثورة ٢٥ يناير -الذين لا أعفو بعضهم من الغباء الشديد- ثم تطور الأمر إلى إنكار الثورة نفسها، بل تسميتها بالمؤامرة وأن الثورة الحقيقية هى ٣٠ يونيو، مدعين أنهم أصحابها وبقدرة قادر تحول الفاسدون إلى ثائرين مثل جيفارا ومانديللا، ولمَ لا وهم يملكون الجرائد وقنوات التليفزيون والمليارات التى نهبوها من دم الشعب.. أما النغمة الجديدة فهو تلك الحملات التى يتبنونها لدعم الفريق السيسى الذى لا يحتاجهم ولا يحتاج أموالهم المشبوهة، فالرجل يسكن قلوب المصريين البسطاء والذى هو واحد منهم، فلا تلوثوا الرجل باقترابكم منه، فأنتم فعلاً كالطاعون الذى يجب أن يُعزل.. ألا تستحون؟ لقد جرفتم أموال وعقول هذا الوطن فاتركوه لشرفائه ولشبابه واختفوا من حياتنا ناعمين بما سرقتموه.. سوف تظل ثورة يناير هى أعظم الثورات ليس فى تاريخ مصر، بل الإنسانية كلها. الثورة التى غيرتنا جميعاً وصهرتنا حتى أصبحنا رجالاً بحق لا نخاف أحداً إلا الله ولن يحكمنا بعدها فاسد أو خائن أو ديكتاتور، أما أنتم أيها الفاسدون المفسدون الذين لا تستحون فاحذروا غضب هذا الشعب حتى لا يُلقى بكم فى صناديق القمامة، حيث مكانكم الطبيعى.
29