الإمارات كانت واضحة فى موقفها من جماعة الإخوان.. لقد عرفوا هذه الجماعة ودرسوا مواقفها، وأدركوا غدرها، وانقلابها وتآمرها على دولتهم شعباً وحكومة قدموا لهم كل شىء فتحوا لهم الأبواب لكن الآخرين كان هدفهم إسقاط الدولة والاستيلاء عليها
لم يكن الفريق صدقى صبحى يبالغ عندما قال: «إن موقف الإمارات ودعمها لجميع مطالب الشعب المصرى التى خرج من أجلها فى ثورة 30 يونيو، سيذكره التاريخ، وإنه كان من أهم المواقف فعالية فى نجاح الثورة وتثبيت أركانها وقدرتها على حرب الإرهاب الذى تقوده جماعة الإخوان ضد الشعب منذ إعلان خارطة الطريق فى 3 يوليو وحتى الآن».
كان رئيس الأركان يقر واقعاً معروفاً للجميع، لكنه تعمّد أن يؤكده مجدداً خلال زيارته إلى دولة الإمارات خلال اليومين الماضيين ولقائه بعدد من كبار المسئولين فى الدولة.
لم يكن موقف الإمارات مقصوراً على الدعم الاقتصادى ومواصلة الطريق الذى بدأه حكيم العرب رحمة الله عليه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ولكنه وكما قال الفريق صدقى صبحى شمل الدعم السياسى أيضاً، حيث وظّفت الدبلوماسية الإماراتية كل رصيدها السياسى القوى على الصعيدين الإقليمى والدولى فى الاعتراف بثورة الشعب وأن انحياز الجيش المصرى العظيم لهذه الإرادة هو عمل تتجلى فيه أسمى وأنبل المعانى الوطنية.
وخلال الزيارة التى تعد الثانية لرئيس الأركان المصرى منذ توليه منصبه، سمع الفريق صدقى صبحى كلاماً من كبار المسئولين بدولة الإمارات، وفى مقدمتهم الشيخ الفريق محمد بن زايد القائد العام للقوات المسلحة وولى عهد أبوظبى، مما يؤكد هذه المعانى مجدداً، والاستمرار فى دعم مصر وثورتها العظيمة التى أسقطت حكم الإرهاب والتآمر والخيانة.
لم يكن الموقف غريباً، بل كان تأكيداً لمواقف سابقة تجلت على يد الشيخ زايد بن سلطان منذ حرب أكتوبر 1973، عندما تحرك بدافع من المسئولية القومية ليلعب الدور الأساسى جنباً إلى جنب مع الراحل العظيم الملك فيصل بن عبدالعزيز فى مساندة مصر وسوريا فى تحقيق هذا الانتصار العظيم.. كانت مواقفه وكلماته واضحة ومحددة ستبقى خالدة فى الذاكرة العربية وفى ذاكرة المصريين على وجه الخصوص.
كانت الإمارات واضحة منذ البداية فى موقفها من جماعة الإخوان، لقد عرفوا هذه الجماعة، ودرسوا مواقفها، وأدركوا غدرها، وانقلابها وتآمرها على دولتهم شعباً وحكومة، قدموا لهم كل شىء، فتحوا لهم الأبواب، لكن الآخرين كان هدفهم إسقاط الدولة والاستيلاء عليها وتوظيف ثرواتها لخدمة مخططاتهم الإرهابية فى شتى أنحاء العالم.
كانت تعليمات الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، منذ البداية لا تعاون مع حكم الإخوان فى مصر، ولا إساءة إلى المصريين العاملين فى دولة الإمارات، كان القلق يساورهم على مصر والمنطقة، كانوا يعرفون ويدركون حجم المخاطر التى تهدد المنطقة بعد وصول هذه الجماعة الإرهابية إلى قمة الحكم فى أكبر دولة عربية.
كانت مهمتهم الأولى وتحديداً الشيخ محمد بن زايد وشقيقه الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية، كيف يمكن إقناع الغرب بحقائق ما جرى فى مصر، وبالدور الخطير الذى تلعبه جماعة الإخوان فى تهديد أمن المنطقة والعالم، لم يكن المجتمع الغربى مستعداً لتغيير مواقفه فى هذا الوقت، كانوا يسدون آذانهم ويتعاملون مع الجماعة الإرهابية ومندوبها فى القصر الرئاسى على أنهم جاءوا إلى الحكم، عبر الصندوق وتعبيراً عن إرادة الشعب المصرى، ولذلك لا خيار إلا بالتعامل معهم.
كان الشيخ محمد بن زايد يدرك فى هذا الوقت أن المخطط أكبر من هذه الادعاءات، وأن هناك أجندة تم الاتفاق عليها مع الجماعة، ولذلك تجد الدعم والمساندة، خصوصاً من أمريكا والغرب وبعض الدول الإقليمية.
كانت الإمارات تراهن على عنصر الزمن، وتدرك أن الإخوان لن ينجحوا فى الحكم، ولن يحققوا الأهداف والشعارات التى رفعوها فى فترة الانتخابات، لكنهم كانوا على ثقة ويقين من أن السقوط قادم لا محالة.
وفى لقاء جرى منذ فترة مع الشيخ محمد بن زايد ووفد مصرى برئاسة المستشار أحمد الزند تحدث ولى عهد أبوظبى عن هذه الفترة وقال: «بعد أحداث الربيع العربى رفعنا مستوى الخطر الأول (الإخوان) ومن يتبعهم، أدركنا دورهم التآمرى فى توظيف غضب الجماهير لإحداث الانهيار والفوضى لصالح جماعتهم».
قال: «كان الهدف الرئيسى لنا فى هذا الوقت هو كيف نقنع حلفاءنا فى الغرب، بذلنا جهوداً كثيرة ولم ننجح فى البداية، ولكن فى اللحظة التى سقط فيها نظام حكم الجماعة فى مصر وسقطت معها الأقنعة المزيفة عرف العالم أن الوضع يحتاج إلى وقت، بدأوا يراقبون الأوضاع، ولكن عندما أدركوا أن مصر ثابتة وتتقدم بخطوات واثقة بدأوا يعودون ليدقوا الأبواب من جديد».
تحدث محمد بن زايد مطولاً عن تجربة الدولة مع فلول الإخوان فى الإمارات، تحدث عن محاولتهم تغييب عقول الشباب، ودفعهم إلى الموت بعيداً عن الأوطان، ولحسابات هذه الجماعة، قال: «خسرنا 130 من شباب الإمارات قتلوا فى حروب اليمن وأفغانستان وسوريا».. لكن أخطر ما قاله الشيخ محمد بن زايد فى هذا الأمر أن نحو 84٪ ممن ذهبوا للجهاد فى سوريا وغيرهم كانوا ينتمون تنظيمياً إلى جماعة الإخوان بالأساس، لقد قال: إن «هناك من كانوا يخطفون أولادنا باسم الدفاع عن الدين، فيقتلون دون قضية، ويزهقون أرواحهم بأيديهم دون هدف»، ولذلك كان يقول إن أصعب لحظة كانت تواجه الإنسان عندما يذهب للعزاء فى أحدهم أن يقول «أحسن الله عزاك»، وكان السؤال: على إيه، هذا الشاب لم يشرف وطنه وخرج يقاتل دون إذن ودون قضية، ولذلك علينا أن نبحث الأسباب..
لقد تولى الشيخ محمد بن زايد هذا الملف بنفسه شخصياً أدرك أن الأزمة فى المناهج التعليمية والمدرسين المنتمين إلى هذه الجماعة وأئمة المساجد والمدارس الصيفية التى يسخرها الإخوان لبث الأفكار المتطرفة فى عقول الشباب والبعيدة عن صحيح الدين.
قال الشيخ محمد بن زايد لقد اصطدمنا بالإخوان، وكان ذلك طبيعياً ومتوقعاً لأنهم أرادوا جر البلاد إلى الفوضى، كانوا يتحدثون عن الديمقراطية وهم أعداؤها، وكنا نقول: «إننا لن نقبل من أحد أن يفرض علينا ديمقراطية بعينها، لا تناسب مجتمعاتنا العربية»، نريد من البرلمان الإماراتى أن يقاتل لمصلحة البلد وليس لحساب آخرين، لا نريد للإنسان الوطنى أن يكون ولاؤه لقم أو مزار الشريف أو ولاء لمكتب الإرشاد، نحن شعب ووطن وأرض، هناك دولة اسمها الإمارات الولاء لها وحدها وليس لأحد آخر، رفضنا أن يكون الإنسان الإماراتى مجرد جواز سفر للتنقل والولاءات المتعددة، فشعب الإمارات منتمٍ إلى بلده وترابه، ولذلك راهنا على الشعب، وكان الرهان صحيحاً..
كان محمد بن زايد يتحدث عن التجربة فى الإمارات ثم يعود ليعرج عليها فى مصر، كان الموقف مع مصر ليس مبنياً فقط على أسس عاطفية أو انتماء قومى مشترك، بل كان مبنياً على رؤية منهجية واضحة تحدد مكمن الخطر وتتعامل معه، تعرف أن انهيار مصر وسقوطها فى قبضة هذه الجماعة الإرهابية إنما يعنى أن مصير الأمة كلها فى مهب الريح..
قال ولى عهد أبوظبى: «نحن مع مصر إلى آخر الطريق، ليس عندنا بديل، وهذا ليس كرهاً فى الإخوان، مصر أقدر على مواجهتهم والانتصار عليهم، لكن مصر ثقل وتاريخ، نقطة اتزان، إنها أكبر دولة فى المنطقة، يجب أن تكون قوية».
قال: إن «من يرغب فى أن يرى مصر ضعيفة وجيشها ضعيفاً، فهو إما مجنون وإما خائن، لذلك نحن على يقين بأن مصر ستخرج من كبوتها سريعاً بفضل الرجال المخلصين على أرضها»..
قال الشيخ محمد بن زايد لو سقطت أى دولة لا قدر الله، فالعالم العربى سيظل بخير، ولكن إذا سقطت مصر سقطت الأمة بأسرها..
تحدث «بن زايد» عن عوامل القوة الكامنة على الأرض المصرية وقال: إن «خوفى الأكبر كان على مؤسسة (الأزهر) لأن الإخوان لو كانوا قد تمكنوا من الأزهر فى فترة حكمهم هنا سيحققون الهدف، ويدخلون كل بيت لنشر أفكارهم المتطرفة والبعيدة عن الدين ولكن باسم الأزهر».
تحدث الشيخ محمد بن زايد عن الموقف السعودى الداعم لمصر وأشاد بمواقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقال: «لقد كان مهموماً منذ البداية بالأوضاع فى مصر، وقال إن الموقف السعودى كان حاسماً وواضحاً فى رفض الإرهاب وحكم الجماعة».
كان حديث الشيخ محمد بن زايد فى هذا الوقت يدعو إلى التفاؤل، قال المهم أن تحافظوا على وحدتكم وأن تسعوا إلى تنفيذ خارطة الطريق سريعاً، الإمارات لن تترك مصر أبداً، نحن معكم حتى نهاية الطريق..
كانت كلماته صادقة، هذا الرجل معروف بمصداقيته وقوميته وحبه لمصر، شأنه كشأن كل أبناء الإمارات الذين عبّروا عن هذه المواقف النبيلة بإجراءات عملية كان لها دورها، كما قال رئيس الأركان المصرى فى نجاح ثورة 30 يونيو وصمود مصر فى مواجهة التحديات المفروضة عليها.
لقد تعرّضت الإمارات فى أوقات سابقة لتطاولات من الإخوان وعناصرهم، لم يؤثر ذلك فى موقف الشعب والقيادة من المصريين العاملين لديهم، كانت لديهم ثقة كبيرة فى أن الإخوان فصيل ليس مصرياً وليس وطنياً، وأن تطاولهم على شعب الإمارات لن يزيد الإمارات إلا صلابة وقناعة بمواقفها..
لقد وجد الفريق صدقى صبحى فى هذه الزيارة، كل الترحاب، أدرك أن للصدق رجالاً، وأن هؤلاء الرجال يقرأون الواقع جيداً، ويتحركون بدافع من الضمير الوطنى والمصلحة القومية، ليست لديهم أهداف سياسية أو مصالح بعينها، مصلحتهم فى بقاء مصر قوية، شامخة، مرفوعة الرأس.
من حق كل مصرى أن يفخر أن له وطناً ثانياً اسمه دولة الإمارات، وأن له إخوة آلوا على أنفسهم أن يقتسموا، كما قال الشيخ محمد بن زايد لقمة الخبز معهم.. ترى بعد كل ذلك هل يمكن أن ننسى.. إليك يا شيخ خليفة، ويا شيخ محمد بن راشد، ويا شيخ محمد بن زايد، ويا شيخ عبدالله، ويا كل أبناء الشيخ زايد، وكل رجالات وحكام وشعب دولة الإمارات.. إليكم جميعاً تحية الإخوة والعرفان.
صدقونى كما قال المشير السيسى: «لن ننسى من وقف معنا، ولن ننسى من وقف ضدنا»، كنتم أوائل من وقف معنا، وقفة أصالة وأخوة لن تُنسى، وستتغنى بها أجيالنا بالضبط كما تتغنى بمواقف الراحل العظيم الشيخ زايد بن سلطان وتدعو له دوماً بالرحمة والمغفرة.
لديهم أهداف سياسية أو مصالح بعينها، مصلحتهم بقاء مصر قوية، شامخة مرفوعة الرأس..
ربما سوف يأتى وقت تدرك فيه الجماهير المصرية كثيراً من تفاصيل الدور الإماراتى غير المعلن فى دعم مصر ومساندتها.